سورة المائدة - تفسير تفسير السيوطي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)}
أخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمر «أن امرأة سرقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت يدها اليمنى. فقالت: هل لي من توبة يا رسول الله؟ قال: نعم، أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك، فأنزل الله في سورة المائدة {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم}».
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه} يقول: الحد كفارته.
وأخرج عبد الرزاق عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل سرق شملة، فقال: ما أخاله سرق أو سرقت؟ قال: نعم. قال: اذهبوا به فاقطعوا يده ثم احسموها ثم ائتوني به، فأتوه به فقال: تبت إلى الله؟ فقال: إني أتوب إلى الله. قال: اللهم تب عليه.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع رجلاً ثم أمر به فحسم وقال: تب إلى الله، فقال أتوب إلى الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إن السارق إذا قطعت يده وقعت في النار، فإن عاد تبعها، وإن تاب استشلاها، يقول: استرجعها».


{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)}
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} قال: هم اليهود {من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم} قال: هم المنافقون.
وأخرج أحمد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: إن الله أنزل {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [ المائدة: 44] الظالمون، الفاسقون، أنزلها الله في طائفتين من اليهود قهرت إحداهما الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا، على أن كل قتيل قتلته الغريزة من الذليلة فديته خمسون وسقاً، وكل قتيل قتلته الذليلة من الغريزة فديته مائة وسق، فكانوا على ذلك حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فنزلت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ لم يظهر عليهم، فقامت الذليلة فقالت: وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد، ونسبهما واحد، وبلدهما واحد، ودية بعضهم نصف دية بعض، إنما أعطيناكم هذا ضيماً منكم لنا وفرقاً منكم، فاما إذ قدم محمد صلى الله عليه وسلم فلا نعطيكم ذلك، فكادت الحرب تهيج بينهم، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، ففكرت الغريزة فقالت: والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم، ولقد صدقوا، ما أعطونا هذا إلا ضيماً وقهراً لهم، فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاخبر الله رسوله بأمرهم كله وماذا أرادوا، فأنزل الله: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} إلى قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}، ثم قال: «فيهم- والله- أنزلت».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عامر الشعبي في قوله: {لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} قال: رجل من اليهود قتل رجلاً من أهل دينه، فقالوا لحلفائهم من المسلمين: سلوا محمداً صلى الله عليه وسلم فإن كان يقضي بالدية اختصمنا إليه، وإن كان يقضي بالقتل لم نأته.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن أبي هريرة أن أحبار اليهود اجتمعوا في بيت المدراس حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد زنى رجل بعد احصانه بامرأة من اليهود وقد أحصنت، فقالوا: ابعثوا هذا الرجل وهذه المرأة إلى محمد فاسألوه كيف الحكم فيهما وولوه الحكم فيهما، فإن حكم بعملكم من التجبية، والجلد بحبل من ليف مطلي بقار، ثم يسود وجوههما، ثم يحملان على حمارين وجوههما من قبل أدبار الحمار، فاتبعوه فإنما هو ملك سيد القوم، وإن حكم فيهما بالنفي فإنه نبي فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكم.
فأتوه فقالوا: يا محمد. هذا رجل قد زنى بعد إحصانه بامرأة قد أحصنت، فاحكم فيهما فقد وليناك الحكم فيهما، فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى أحبارهم في بيت المدراس فقال: «يا معشر يهود، أخرجوا إليَّ علماءكم، فأخرجوا إليه عبد الله بن صوريا، وياسر بن أخطب، ووهب بن يهودا»، فقالوا: هؤلاء علماؤنا. فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حصل أمرهم إلى أن قالوا لعبد الله بن صوريا: هذا أعلم من بقي بالتوراة، فخلا رسول الله صلى الله عليه وسلم به وشدد المسألة وقال: «يا ابن صوريا، أنشدك الله وأذكرك أيامه عند بني إسرائيل، هل تعلم أن الله حكم فيمن زنى بعد إحصانه بالرجم في التوراة؟» فقال: اللهم نعم، أما والله يا أبا القاسم، إنهم ليعرفون أنك مرسل ولكنهم يحسدونك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بهما فرجما عند باب المسجد، ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا وجحد نبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} الآية.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال أول مرجوم رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود، زنى رجل منهم وامرأة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بتخفيف، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله، وقلنا: فتيا نبي من أنبيائك. قال: فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد وأصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا؟ فلم يكلمه كلمة حتى أتى مدراسهم، فقام على الباب فقال: «أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى، ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟» قالوا يحمم ويجبه ويجلد، والتجبية أن يحمل الزانيان على حمار، ويقابل أقفيتهما، ويطاف بهما، وسكت شاب، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكت، ألظ النشدة فقال: اللهم نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم، ثم زنى رجل في أسرة من الناس، فأراد رجمه فحال قومه دونه، وقالوا: والله ما نرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا بهذه العقوبة بينهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإني أحكم بما في التوراة، فأمر بهما فرجما». قال الزهري: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا} [ المائدة: 44] فكان النبي صلى الله عليه وسلم منهم.
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والنحاس في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن البراء بن عازب قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم يهودي محمم مجلود، فدعاهم فقال: «أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم، فدعا رجلاً من علمائهم فقال: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى: أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: اللهم لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا نجعل شيئاً نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على التحميم والجلد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه»، وأمر به فرجم، فأنزل الله: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} إلى قوله: {إن أوتيتم هذا فخذوه} وإن أفتاكم بالرجم {فاحذروا} إلى قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال في اليهود {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [ المائدة: 45] قال: في النصارى إلى قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} [ المائدة: 47] قال: في الكفار كلها.
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر قال: «إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:»ما تجدون في التوراة؟ قالوا: نفضحهم ويجلدون. قال عبد الله بن سلام: كذبتم ان فيها آية الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقال ما قبلها وما بعدها، فقال عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا آية الرجم. قالوا: «صدق، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما».
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا} قال «هم اليهود، زنت منهم امرأة وقد كان حكم الله في التوراة في الزنا الرجم، فنفسوا أن يرجموها وقالوا: انطلقوا إلى محمد فعسى أن تكون عنده رخصة، فإن كانت عنده رخصة فاقبلوها، فأتوه فقالوا: يا أبا القاسم إن امرأة منا زنت، فما تقول فيها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكيف حكم الله في التوراة في الزاني؟ قالوا: دعنا مما في التوراة، ولكن ما عندك في ذلك؟ فقال: ائتوني بأعلمكم بالتوراة التي أنزلت على موسى. فقال لهم: بالذي نجاكم من آل فرعون، وبالذي فلق لكم البحر فانجاكم وأغرق آل فرعون، إلا أخبرتموني ما حكم الله في التوراة في الزاني؟ قالوا: حكمه الرجم، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن جابر بن عبد الله في قوله: {من الذين هادوا سماعون للكذب} قال: يهود المدينة {سماعون لقوم آخرين لم يأتوك} قال: يهود فدك {يحرفون الكلم} قال: يهود فدك {يقولون} ليهود المدينة {إن أوتيتم هذا} الجلد {فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا} الرجم.
وأخرج الحميدي في مسنده وأبو داود وابن ماجة وابن المنذر وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: زنى رجل من أهل فدك، فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود بالمدينة اسألوا محمداً عن ذلك، فإن أمركم بالجلد فخذوه عنه، وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه عنه، فسألوه عن ذلك فقال: أرسلوا إليَّ أعلم رجلين منكم، فجاؤوا برجل أعور يقال له ابن صوريا وآخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما «أليس عندكما التوراة فيها حكم الله؟ قالا: بلى. قال: فانشدك بالذي فلق البحر لبني إسرائيل، وظلل عليكم الغمام، ونجاكم من آل فرعون، وأنزل التوراة على موسى، وأنزل المن والسلوى على بني إسرائيل، ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقال أحدهما للآخر: ما نشدت بمثله قط: قالا: نجد ترداد النظر زنية، والاعتناق زنية، والقبل زنية، فإذا شهد أربعة أنهم رأوه يبدئ ويعيد كما يدخل الميل في المكحلة فقد وجب الرجم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فهو كذلك، فأمر به فرجم، فنزلت {فإن جاؤوك فاحكم بينهم} إلى قوله: {يحب المقسطين} [ المائدة: 42]».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} قال: نزلت في رجل من الأنصار، زعموا أنه أبو لباتة أشارت اليه بنو قريظة يوم الحصار ما الأمر على ما ننزل، فأشار إليهم أنه الذبح.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ومن الذين هادوا سماعون للكذب} قال: هم أبو يسرة وأصحابه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله: {سماعون لقوم آخرين} قال: يهود خيبر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {سمَّاعون لقوم آخرين} قال: هم أيضاً سماعون ليهود.
وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم النخعي في قوله: {يحرِّفون الكلم عن مواضعه} [ المائدة: 13] قال: كان يقول بني إسرائيل: يا بني أحباري، فحرفوا ذلك فجعلوه يا بني أبكاري، فذلك قوله: {يحرفون الكلم عن مواضعه} وكان إبراهيم يقرأها {يحرفون الكلم من مواضعه}.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {يحرفون الكلم من بعد مواضعه..} الآية. قال: ذكر لنا أن هذا كان في قتيل بني قريظة والنضير، إذ قتل رجل من قريظة قتله النضير، وكانت النضير إذا قتلت من بني قريظة لم يقيدوهم، إنما يعطونهم الدية لفضلهم عليهم في أنفسهم تعوذاً، فقدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة فسألهم، فأرادوا ان يرفعوا ذلك إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم، فقال لهم رجل من المنافقين: إن قتيلكم هذا قتيل عمد، وإنكم متى ترفعون أمره إلى محمد أخشى عليكم القود، فإن قبل منكم الدية فخذوه وإلا فكونوا منهم على حذر.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه} قال: إن وافقكم وإن لم يوافقكم {فاحذروه} يهود تقول: للمنافقين.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {يحرفون الكلم} يعني حدود الله في التوراة. وفي قوله: {يقولون إن أوتيتم هذا} قال: يقولون إن أمركم محمد بما أنتم عليه فاقبلوه وإن خالفكم فاحذروه. وفي قوله: {ومن يرد الله فتنته} قال: ضلالته {فلن تملك له من الله شيئاً} يقول: لن تغني عنه شيئاً.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {لهم في الدنيا خزي} قال: أما خزيهم في الدنيا، فإنه إذا قام الهدى فتح القسطنطينية فقتلهم فذلك الخزي.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله: {لهم في الدنيا خزي} مدينة تفتح بالروم فيسبون.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله: {لهم في الدنيا خزي} قال: يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.


{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)}
أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {سمَّاعون للكذب أكَّالون للسحت} وذلك أنهم أخذوا الرشوة في الحكم وقضوا بالكذب.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {سمَّاعون للكذب أكَّالون للسحت} قال: تلك أحكام اليهود يسمع كذبه ويأخذ رشوته.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال: السحت الرشوة في الدين. قال سفيان: يعني في الحكم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: من شفع لرجل ليدفع عنه مظلمته أو يرد عليه حقاً، فاهدى له هدية فقبلها فذلك السحت. فقيل: يا أبا عبد الرحمن إنا كنا نعد السحت الرشوة في الحكم، فقال عبد الله: ذلك الكفر {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [ المائدة: 44].
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني في سننه عن ابن عباس أنه سئل عن السحت فقال: الرشا. قيل: في الحكم؟ قال: ذلك الكفر، ثم قرأ {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [ المائدة: 44].
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي عن ابن مسعود أنه سئل عن السحت، أهو الرشوة في الحكم؟ قال: لا. {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [ المائدة: 45] الفاسقون، ولكن السحت أن يستعينك رجل على مظلمة فيهدي لك فتقبله، فذلك السحت.
وأخرج ابن المنذر عن مسروق قال: قلت لعمر بن الخطاب: أرأيت الرشوة في الحكم، أمن السحت هي؟ قال: لا، ولكن كفراً، إنما السحت أن يكون للرجل عند السلطان جاه ومنزلة ويكون إلى السلطان حاجة، فلا يقضي حاجته حتى يهدي إليه هدية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رشوة الحكام حرام، وهي السحت الذي ذكر الله في كتابه».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به. قيل: يا رسول الله، وما السحت؟ قال: الرشوة في الحكم».
وأخرج عبد بن حميد عن زيد بن ثابت. أنه سئل عن السحت فقال: الرشوة.
وأخرج عبد بن حميد عن علي بن أبي طالب. أنه سئل عن السحت فقال: الرشا. فقيل له: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عمر قال: بابان من السحت يأكلهما الناس. الرشا في الحكم، ومهر الزانية.
وأخرج أبو الشيخ عن علي قال: أبواب السحت ثمانية: رأس السحت رشوة الحاكم، وكسب البغي، وعَسَبُ الفحل، وثمن الميتة، وثمن الخمر، وثمن الكلب، وكسب الحجام، وأجر الكاهن.
وأخرج عبد الرزاق عن طريف قال: مر علي برجل يحسب بين قوم بأجر، وفي لفظ: يقسم بين ناس قسماً فقال له علي: إنما تأكل سحتاً.
وأخرج الفريابي وابن جرير عن أبي هريرة قال: من السحت مهر الزانية، وثمن الكلب إلا كلب الصيد، وما أخذ من شيء في الحكم.
وأخرج عبد الرزاق وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هدايا الأمراء سحت».
وأخرج ابن مردويه والديلمي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ست خصال من السحت: رشوة الإمام وهي أخبث ذلك كله، وثمن الكلب، وعسب الفحل، ومهر البغي، وكسب الحجام، وحلوان الكاهن».
وأخرج عبد بن حميد عن طاوس قال: هدايا العمال سحت.
وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن سعيد قال: «لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة إلى أهل خيبر أهدوا له فروة، فقال: سحت».
وأخرج عبد الرزاق والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي».
وأخرج أحمد والبيهقي عن ثوبان قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش، يعني الذي يمشي بينهما».
وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ولي عشرة فحكم بينهم بما أحبوا أو كرهوا جيء به مغلولة يده، فإن عدل ولم يرتش ولم يحف فك الله عنه، وإن حكم بغير ما أنزل الله ارتشى وحابى فيه شدت يساره إلى يمينه ثم رمي في جهنم، فلم يبلغ قعرها خمسمائة عام».
وأخرج ابن مردويه عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون من بعدي ولاة يستحلون الخمر بالنبيذ، والبخس بالصدقة، والسحت بالهدية، والقتل بالموعظة، يقتلون البريء لتوطى العامة لهم فيزدادوا إثماً».
وأخرج الخطيب في تاريخه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من السحت: كسب الحجام، وثمن الكلب، وثمن القرد، وثمن الخنزير، وثمن الخمر، وثمن الميتة، وثمن الدم، وعسب الفحل، وأجر النائحة، وأجر المغنية، وأجر الكاهن، وأجر الساحر، وأجر القائف، وثمن جلود السباع، وثمن جلود الميتة، فإذا دبغت فلا بأس بها، وأجر صور التماثيل، وهدية الشفاعة، وجعلة الغزو».
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن شقيق قال: هذه الرغف التي يأخذها المعلمون من السحت.
وأخرج ابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: آيتان نسختا من هذه السورة- يعني من المائدة- آية القلائد، وقوله: {فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخيراً، إن شاء حكم بينهم، وإن شاء أعرض عنهم فردهم إلى أحكامهم، فنزلت {وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتَّبع أهواءهم} [ المائدة: 49] قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما في كتابنا.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} قال: نسختها هذه الآية {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} [ المائدة: 49].
وأخرج عبد الرزاق عن عكرمة. مثله.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن شهاب. أن الآية التي في سورة المائدة {فإن جاؤوك فاحكم بينهم} كانت في شأن الرجم.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس «أن الآيات من المائدة التي قال الله فيها {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} إلى قوله: {المقسطين} إنما أنزلت في الدية من بني النضير وقريظة، وذلك أن قتلى بني النضير كان لهم شرف يريدون الدية كاملة، وأن بني قريظة كانوا يريدون نصف الدية، فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله ذلك فيهم، فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق، فجعل الدية سواء».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كانت قريظة والنضير، وكان النضير أشرف من قريظة، فكان إذا قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة أدى مائة وسق من تمر، وإذا قتل رجل من قريظة رجلاً من النضير قتل به، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة، فقالوا: ادفعوه إلينا نقتله، فقالوا: بيننا وبينكم النبي صلى الله عليه وسلم فأتوه، فنزلت {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} والقسط. النفس بالنفس، ثم نزلت {أفحكم الجاهلية يبغون} [ المائدة: 50].
وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله: {فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} قال: يوم نزلت هذه الآية كان في سعة من أمره، إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم، ثم قال: {وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئاً} قال: نسختها {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم} [ المائدة: 49].
وأخرج عبد بن حميد والنحاس في ناسخه عن الشعبي في قوله: {فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} قال: إن شاء حكم بينهم وإن شاء لم يحكم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن إبراهيم والشعبي قالا: إذا جاؤوا إلى حاكم من حكام المسلمين، إن شاء حكم بينهم، وإن شاء أعرض عنهم، وإن حكم بينهم حكم بما أنزل الله.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عطاء في الآية قال: هو مخيَّر.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في أهل الذمة يرتفعون إلى حكام المسلمين قال: يحكم بينهم بما أنزل الله.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال: أهل الذمة إذ ارتفعوا إلى المسلمين حكم عليهم بحكم المسلمين.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو الشيخ والبيهقي عن إبراهيم التيمي {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} قال: بالرجم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك في قوله: {إن الله يحب المقسطين} قال: المعدلين في القول والفعل.
وأخرج عبد الرزاق عن الزهري في الآية قال: مضت السنة أن يردوا في حقوقهم ومواريثهم إلى أهل دينهم، إلا أن يأتوا راغبين في حد يحكم بينهم فيه، فيحكم بينهم بكتاب الله، وقد قال لرسوله {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط}.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14